قبل اكثر من نصف قرن ، يوم مغادرتي للدراسة في الخارج ، كان والدي يرحمه الله
قد اجريت له عملية الماء الأبيض في عينه ، وكان أمر وتوصية الطبيب ، بالإستلقاء على ظهره ، لعدة أيام دون حراك ..
ذهبت إلى غرفته لتوديعه ، قبلت يديه وجبينه ، وودعته ....
ونزلت من المنزل ( الدور الأول ) إلى الشارع ، لركوب السيارة ..
قبل صعودي في السيارة ، إلتفت فجأة إلى الخلف ، لأجد والدي يرحمه الله ، واقفا منتصبا كنخلة عربية .... تكاد تطلق أغصانها ( فروعها ) لتضم ثمرة من ثمراته إلى قلبه..
عدت إليه .. قبلت جبينه .. وسألته
لماذا يا والدي تركت سريرك ، مخالفا لأوامر الطبيب ..
كان جوابه ...
بكره تعرف يا إبني .. الله يوفقك ..
وتطلب الأمر أكثر من نصف قرن لأعرف ..
البارحة عرفت ..
وانا أودع أصغر الأبناء في المطار ..في طريقه للدراسة في الخارج
الأبناء هم " مضغة " وسويداء القلب ..
عند سفرهما تغادر تلك المضغة ، لتحضن الإبن / الإبنة المسافر
ويظل القلب فارغا حتى عودتهم ..
" فراق الأبناء ، مر ، لاتزول مرارته ، إلا بعودتهم ناجحين مسلحين بالعلم ومعانقين للأمل
اللهم إحقظهم ، أينما كانوا ..
فأينما كانوا ، فمقرهم جينات القلب ، فهم " مضغة " القلب .
فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين . صدق الله العظيم