التاريخ لا يكذب ... وان كان يتجمل احيانا بفعل فاعل ا
وبالتاريخ الكثير من الاحداث الفارقه ... التى تؤرخ ما قبلها وما بعدها ...
فالمؤزخون على سبيل المثال يفرقون بين ما قبل العصر الحجرى وما بعد العصر الحجرى
بين ما قبل الحرب العالميه الثانيه وما بعد الحرب العالميه الثانيه
بين ما قبل ثورة يوليو 1952 وما بعد ثورة يوليو 1952
ويعتبر يوم الخامس عشر من شهر مايو عام 1971 أحد اهم هذة الايام الفارقه فى التاريخ المصرى ... ففى هذا اليوم أعلن السادات انتهاء ثورة يوليو 1952 وقيام ثورة التصحيح ..... وفى هذا اليوم انتهت الشرعيه الثوريه التى جائت بالرئيس جمال عبد الناصر رئيسا لمصر لتحل محلها الشرعيه الدستوريه والتى فشلت حتى الان فى ان تأنى لنا برئيس منتخب دستوريا طبقا لارادى الشعب
اى ان يوم 15 مايو 1971 كان يوما فاصلا فى التاريخ المصرى بين مؤسسات ثورة كانت تعتمد على زعيمها وحدة .... وبين دوله لفظت حكم الزعيم والقائد الفرد ... واصبحت - من المفترض - ان تعتمد على مؤسساتها الدستوريه المستمدة من شرعيه دستورها ... وان كانت ... فى واقع الامر ... لم تخرج بشرعيتها ومؤسستها الدستوريه عن الاعتماد على زعيمها الجديد وحدة
ومن المؤسف ... وبالرغم من اهميه هذا اليوم وما يمثله من أحداث كبيرة أثرت كثيرا على التاريخ المصرى أكبر من تأثير يوم 23 يوليو عام 1952 .... فأن المؤرخين وكتاب التاريخ لم يتوقفوا كثيرا عن مدلولات هذا اليوم واحداثه توقفهم عند يوم 23 يوليو 1952 وأحداثه ..
لذلك فأننى اسمح لنفسى .... فى هذا الموضوع .... بالرجوع الى هذا اليوم ومحاوله قراءة أحداثه ... بحلوها ومرها ... توصف الاحداث بوصفها الحقيقى بدون زخرفه او رتوش تجميليه
هناك كتبا قليلة بارزة كتبت عن علاقة أنور السادات بالدوائر الأمريكية والسعودية ... وعلى رأسها كتاب محمد حسنين هيكل (خريف الغضب) وكتاب الصحفى الأمريكى بوب وودوارد (الحجاب) .
ففى كتاب (خريف الغضب ) كتب محمد حسنين هيكل عن علاقة السادات بكمال أدهم ( مدير المخابرات العامة السعوديه) وأرجعها لعام 1954 عندما شاركت مصر فى تكوين منظمة المؤتمر الإسلامى ورشح عبد الناصر ايامها أنور السادات لتولى رئاسه الوفد المصرى ... ومن خلال هذة المنظمة تعرف أنور السادات على كمال أدهم الذى كان فى ذلك الوقت مستشارا وصهرا للأمير فيصل قبل أن يصبح فيصل ملكا على السعودية.
وأوضح محمد حسنين هيكل عن دور كمال أدهم فى فتح قناة خاصة بين السادات من ناحية وبين وكالة المخابرات المركزية الأمريكية من ناحية أخرى فى أعقاب تولى أنور السادات الحكم وانفراده بالسلطة فى 1971 ... كما تحدث عن لقاء أنور السادات بوزير الخارجية الأمريكى هنرى كيسنجر فى 7 نوفمبر 1973 بعد حرب أكتوبر مباشرة وكيف تم الاتفاق فى هذا اللقاء على أن تكون أمريكا مسئولة عن حمايه السادات الشخصية .... وتم تعيين واحد من خبرائها فى الشئون العربية لكى يكون متواجدا باستمرار فى مقر الرئاسة لمراقبة شئون الأمن !!
وتحدث هيكل ايضا عن نادى السفارى الذى شاركت فى تكوينه مخابرات خمس دول هى : مصر والسعودية وإيران والمغرب وفرنسا ... بالاضافه الى المخابرات المركزيه الامريكيه بغرض مواجهة المد الشيوعى فى إفريقيا ... حسبما قيل فى تلك الفترة ... والتى بسببها تورطت مصر فى محاوله اغتيال الرئيس الليبى معمر القذافى والرئيس الغينى احمد سيكتورى وفى الاشتراك فى عمل بعض الانقلابات العسكلريه فى افريقيا واسيا بأمكتنكم الاطلاع عليها وعلى حقيقه نادى السفارى فى هذا الموقع (www.lecircle)
إلا ان كتاب ( لعبة الشيطان ) الذى صدر فى واشنطن .... يتتبع العلاقة التاريخية بين أنور السادات والدوائر الأمريكية ويرسم صورة كاملة لها
يقول الكتاب
منذ سنوات ثورة يوليو الأولى كانت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تمتلك ملفا خاصا عن أنور السادات .... وكان هذا الملف يحتوى على معلومات عن سنوات العمل السرى التى اندمج فيها أنور السادات قبل الثورة وكيف كان هو الوحيد من بين كل من شاركوا فى ثورة 23 يوليو 1952 ذو تاريخ حافل بالعمل السرى.
واحتوى هذا الملف على معلومات هامه عن علاقة أنور السادات بالمخابرات الألمانية والجواسيس الألمان( عمل هؤلاء الاجواسيس الالمان لصالح جهاز المخابرات البريطانيه بعد القبض عليهم ... وبعد هزيمه الالمان فى الحرب العالميه الثانيه ) وعن اغتيال امين عثمان رئيس الوزراء المصرى فى يناير 1946 ثم انضمامه للحرس الحديدى الذى رعاه الملك فاروق ورئيس ديوانه أحمد حسنين باشا للانتقام من مصطفى النحاس باشا رئيس حزب الوفد بعد واقعة 4 فبراير 1942 .... وكيف شارك انور السادات فى محاولة قتل النحاس باشا فى أبريل 1948.
ويواصل كتاب ... لعبة الشيطان ... متتبعا ملف أنور السادات فيقول:
بعد اندلاع حركة الضباط الأحرار فى 23 يوليو 1952 ألقى أنور السادات بكامل ثقله وراء الزعيم الحقيقى لهذه الحركة جمال عبدالناصر ... وربط مصيره بمصير عبدالناصر ... ولذلك كان مؤيدا له فى كل المواقف التى اتخذها ... خصوصا فى مواجهته الحاسمة ضد اللواء محمد نجيب فى إطار الصراع على السلطة الذى اندلع بينهما ... كما أنه تبنى موقف عبد الناصر فى صراعه ضد جماعة الإخوان المسلمين التى حاولت الانقلاب على نظام عبد الناصر الوليد بالرغم من علاقاته القديمة بقيادات هذه الجماعة أثناء العهد الملكى
ووصل الحال أن قام أنور السادات فى يناير 1954 وفى أعقاب قيام مجموعة من التابعين للإخوان المسلمين بالاعتداء على طلاب فى جامعة القاهرة بكتابة مقال هاجم فيه جماعة الإخوان ووصفها بأنها جماعة الاتجار فى الدين .... وبعد هذا المقال بيومين فقط أصدر عبدالناصر قرارا بحظر الجماعة واصفا إياها بأنها مخلب قط للإنجليز والمخابرات البريطانية بعد افتضاح مقابله مرشدها حسن الهضيبى بالسفير الامريكى والسفير البريطانى ومحاوله قيادات الاخوان فى هذة المقالات أفهامهما بأن الاخوان وحدهم هم من يسيطيرعلى الشارع السياسى المصرى ... ولأثبات ذلك حاولت الجماعه القيام ببعض المظاهرات النعارضه للثورة
كان كمال أدهم كما يقول كتاب (-لعبة الشيطان ) يبلغ وكالة المخابرات الأمريكية أولا بأول بتطور علاقته بأنور السادات ... خصوصا أثناء حرب اليمن التى مثلت استنزافا لجمال عبدالناصر ونظام حكمه ... بالرغم من ان السعودية ومصر كانتا فى ذلك الوقت تقفان فى معسكرين متضادين.
وعندما مات عبدالناصر فجأة فى 28 سبتمبر 1970 .. بعد أن كان قد عين السادات نائبا له منذ أقل من عام 10 شهور .. لم تصدق الرياض وواشنطن نفسيهما ولم تتملكهما فرحة (على حد قول الكتاب) كتلك الفرحة التى جاءت مع تولى أنور السادات للحكم ....
لقد كانت السنوات الإحدى عشرة التى تولى فيها السادات حكم مصر كما يقول مؤلف كتاب (لعبة الشيطان ) نعمة كبرى وحقيقية حولت مجريات السياسة فى العالم العربى والشرق الاوسط لصالح السعوديه وامريكا .
فبمجرد أن تولى السادات السلطه ... قام هذا الثعلب السياسى ... (عضو الإخوان المسلمين السابق ونصير عبدالناصر الدائم) بعقد تحالف مع السعودية ... قام على إثره بضرب اليسار المصرى وأعاد الإخوان المسلمين منتصرين إلى شوارع مصر ... ثم اختتم ذلك بتوجيه السياسة المصرية نحو الانحياز الكامل للولايات المتحدة وإسرائيل !!!
ويقول كتاب ( لعبة الشيطان) أنه طوال سنوات السبعينيات ... لم يتحكم أحد فى أنور السادات مثلما تحكم فيه الملك فيصل وكمال أدهم.. بل الأكثر من هذا ... كما يقول الكتاب ... إن هناك عددا من السياسيين الذين أحاطوا بالسادات مثلما يحيط السوار بالمعصم ... كانوا يتلقون أموالا ثابتة من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والمخابرات العامة السعودية ... ويقول ايضا إن علاقة السادات الخفية مع كمال أدهم كانت بدورها قناة سرية مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ومع هنرى كيسنجر بالتحديد ... وهو صديق شخصى لكمال أدهم ... والذى كان مهموما ... باعتباره وزير الخارجية الأمريكية ... بإعداد مسرح الشرق الأوسط لحرب باردة ضد السوفييت ... وجاء تولى السادات الحكم ليكون اللاعب الرئيسى على هذا المسرح ...
ورغم علاقة كمال أدهم الوثيقة بالسادات إلا أن الملك فيصل كان مازال خائفا من أن يتحول السادات إلى ثعلب سياسى يتلاعب بالسعوديين ... وأن يكون فى حقيقته ... ناصرآخر .. إلا أن كمال أدهم ... وهو أخو (عفت) زوجة الملك ... أكد للملك بأنه يعرف السادات منذ فترة طويلة !!!! وأن عضوية السادات القديمة فى الإخوان تؤكد وجود ميول يمينية لديه .... وأن السادات كما يعرفه أدهم جيدا يعشق مظاهر الفخفخة فى الحياة ...
وبناء عليه قرر الملك فيصل تعيين كمال أدهم مبعوثا شخصيا بينه وبين أنور السادات ...
ولم يكن يمر شهر واحد على وفاة جمال عبدالناصر حتى كان كمال أدهم فى القاهرة يلتقى مع أنور السادات .... وفى هذا الاجتماع قدم كمال أدهم وعدا للسادات بأن السعودية سوف تتكفل له بمساعدات هائلة ... وعلاوة على هذا وهو الأهم .... قدم كمال أدهم وعدا للسادات بأن الولايات المتحدة سوف تساعد مصر فى الحصول على أرضها بشرط واحد هو قيام السادات بفض علاقته مع السوفييت وطرد القوات السوفيتية والكوريه الشماليه من مصر
وفى يناير 1971 أصبح لكمال أدهم وجودا دائما فى مصر وفى حياة السادات ... ولم يكن كمال أدهم مجرد وسيط موفد من الملك فيصل فقط ... ولكنه أصبح قناة سرية للتواصل بين السادات وكيسنجر وبين السادات ونيكسون بعيدا عن القنوات الرسمية المعروفة فى وزارة الخارجية المصريه .... وتم أنشاء خط ساخن بين السادات وفيصل .... وأصبح أشرف مروان الذى تولى منصب سكرتير السادات للمعلومات هو المسئول الوحيد عن هذا الخط .
ومن المعروف أن الولايات المتحدة لم يكن لها سفارة فى القاهرة فى ذلك الوقت بعد قطع العلاقات بين القاهرة وواشنطن فى أعقاب هزيمه 1967 وثبوت تعاون الولايات المتحدة مع اسرائيل فى تلك الحرب .
وفى مايو 1971 بدأ السادات بالتخلص من رجال عبدالناصر ... بعدما ادعى أن هؤلاء كانوا يخططون للقيام بمؤامرة للإطاحة به ووصفهم بأنهم عملاء للسوفييت ... ( وبمساعدة من أشرف مروان وأخرون ) قام السادات بالقبض على رئيس مجلس الأمة ووزير الدفاع وعدد آخر من الوزراء ...
ويقول مدير محطة ال -سى. آى. إيه- فى السعودية ..... كان السيناريو المتفق عليه بعد التخلص من الناصريين هو طرد القوات السوفيتية والكوريه الشماليه من مصر.... وهو ما حدث فعلا .... بالرغم من احتياج مصر العسكرى للطيارين الروس والكوريين من اجل حمايه العمق المصرى من غارت الطيران الاسرائيلى ... وللخبراء الروس لتدريب الجيش المصرى على استخدام الاسلحه والمعدات العسكريه الجديدة التى تسلمتها مصر
وبعد قضاء السادات على رجال عبدالناصر بأقل من شهر ..... قام الملك فيصل بزيارة السادات فى القاهرة .... واتفق الاثنان خلال هذه الزيارة على عدة نقاط أساسية:
- أن يواصل السادات طريقه فى التخلص من القوات السوفيتيه والكوريه الموجودة على أرض مصر
- أن يكون هناك تنسيق كامل بينهما فى حالة لو قرر السادات دخول حرب ضد إسرائيل ....
- الاتفاق على إعادة قيادات الإخوان المسلمين المنفية فى السعودية وفى بلاد أخرى إلى مصر.
وبدءا من صيف 1971 بدأ السادات فى إطلاق سراح المسجونين من أعضاء هذه الجماعة والسماح لأعضائها بالخارج فى العودة ... وكل هذا كان بترتيب خاص من الملك فيصل ومدير مخابراته كمال أدهم
وقام أعضاء هذه الجماعة يتقدمهم عمر التلمسانى بعد إطلاق سراحهم بالتوجه إلى القصر الجمهورى وتسجيل أسمى آيات الشكر للسادات فى سجل التشريفات الخاص بالرئيس ..... وكانت تلك بدايات خروج قوى الإخوان من القمقم الذى فتحه السادات بترتيب خاص من السعودية وال -سى. آى. إيه-.
وبعد أن وفى السادات بوعوده للملك فيصل وكمال أدهم بالتخلص من رجال عبدالناصر وطرد الخبراء السوفييت من مصر وإعادة الإخوان المسلمين والعفو عنهم ... كان يتبقى أن ينفذ الملك فيصل جانبه من اتفاقه مع السادات فى يونيو 1971 .... وهو المساعدة فى استعادة الأراضى المصرية المحتلة ... خصوصا مع تزايد الضغط الشعبى على السادات لاستعادة هذه الأراضى ... ولكن مع الاسف ... لم تبرز إسرائيل ولا أمريكا .... رغم كل القنوات السرية معهما ... أى دلائل على أستعدادهما لترك شبه جزيرة سيناء بل سعت إسرائيل فى بناء بعض المستوطنات هناك .... مستفيدة من توريط السادات لنفسه وحرقه لكل الاوراق التى بيدة ما عدا الورقه الامريكيه .
إلا أن الملك فيصل كان مصمما على عدم وقوع مصر مرة أخرى فى أيدى دعاة القومية العربية ... فقام بإصدار عدد من البيانات الصحفية ينتقد فيها سياسه الولايات المتحدة فى العالم العربى لم يهتم بها احدا فى الدوائر الامريكيه المسئوله عن صتع السياسات الامريكيه ... وفى صيف 1973 قام الملك فيصل بنقل رسالة خاصة لرئيس شركة أرامكو الأمريكى مشيرا فيها إلى المخاطر التى تواجه تدفق البترول من جراء قيام حرب مصرية إسرائيلية .... وبرغم ذلك.... لم تبال أمريكا ولا كيسنجر بتلك الرساله ....
وعندما فشل الملك فيصل .... فى نفس الوقت الذى فشلت فيه اتصالات السادات السرية مع كيسنجر ........ قرر الاثنان أنه لا مفر من الذهاب للحرب.
ويزعم مؤلف الكتاب أن السادات فتح مصر على مصراعيها لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية بمجرد انتهاء حرب اكتوبر 1973 معتمدا على اعلانه انتصار مصر بها ... علاوة على أنه سمح لها بوضع أمنه الشخصى تحت حماية عناصرها الموجودة فى القاهرة .... إلا أن ال -سى. آى. إيه- لم تلتفت إلى الجن الذى كانت قد أخرجته من القمقم بمعرفة أنور السادات .... وهو جن الأصولية الإسلامية ... فقد كان كل هم الأمريكان هو استخدام السادات كرأس حربة فى حربهم الباردة ضد السوفييت ... ولما حقق لهم السادات ما أرادوه .... تركوة يدفع وحدة ثمن اخراج الجن من قمقمه ... كما تركوا شاة ايران يدفع نفس الثمن للخومينى