6
في الثالث والعشرين من تموز، وهو ذكرى ثورة مصر العظيمة دعوت كل من أعرفه من قيادات الناصريين المنظمين والمستقلين، برئاسة الدكتور سامي شرف، إلى حفل غداء في مقهى شبرا الصيفي، وقد لبى أغلب المدعوين الدعوة واجتمعوا على شواء كبير ضم عدة خراف، وكثيراً من الخضار والفواكه، وقد استنهضت الجميع لتوحيد تنظيماتهم فوراً، وإعلان ذلك في هذه الجلسة، واقتراح أسماء المكتب السياسي، وقد فوجئنا جميعاً بدخول الرئيس السيسي واستقبلناه بحفاوة الضيف الوافد، وقال:
- لستم ناصريين أكثر مني، وما ترونه وتعترضون عليه سيكون مؤقتاً وستعذرونني، وإن تغيير موقفنا في غير وقته كان سيضر بمصر التي أنهكتنا العهود المتعاقبة، وكل شيء سيعود ولن تروا إلا ما يسركم.
قمت فرحبت بالرئيس السيسي وقلت:
- وما أدراك يا سيادة الرئيس أن تمهلك الأيام حتى تقوم بإكمال مخططك، وأنت الذي خبرت العهود المتعاقبة، وتعرف المتربصين بمصر، فلعل ذلك يكون سريعاً، وتبدأ يا سيدي بإصلاح الدن المكسور، ولو بتجبيره.
استأذن الرئيس وانصرف، وبعده جاء التلفزيون لينقل الوقائع، وقلت:
- لعل التلفزيون جاء لتصوير الحاضرين، لأنهم سيحاسبون.
تحدثت مع الدكتور شرف بشأن السيسي، فقال:
- حينما استلم الحكم ذهب إلى أسرة عبد الناصر وقال كلاماً مشابها لما سمعتموه، وطلب تأييد العائلة له. وقال: إن الوضع المالي للدولة مثير للقلق، وسيقول إن الجزيرتين سعوديتان، ليتقاضى أربعة عشر مليار دور يحرك بها السوق المالية، وتذكرون بيان الدكتورة هدى، ونشر صوره مع عبد الحكيم، حتى الآن يوصل لهم الرسائل، على كل حال فقد انتظرناه طويلاً وسننتظره أكثر بقليل، واقترح أسماء قيادة الحزب الناصري الموحد، فذكرني بينهم فاعتذرت له، وقلت: إنني واحد من الجماهير، ويمكنني تقديم معونات لإنجاح تطور التنظيم وافتتاح مكاتب له، فقال:
- على بركة الله وقمت فجلست إلى جانب المدعوين.
انتهى الاجتماع بتشكيل المكتب السياسي، وقد أرسل السيسي موفداً أخبر الجميع بأن الدولة ستؤمن المقرات الدائمة في جميع المحافظات والمناطق، وأبدى دعمه الغير محدود.
لقد أدخلنا الرئيس بالحيرة، وقال الموفد بأنه سينسق مع الدكتور شرف، وسيبلغ كل الأعضاء ابتداء النشاط.
لقد كان الرئيس يحاول استيعاب التنظيم منذ البداية، وبذلك يكون على معرفة مبكرة بكل حركاته، وهذه مناورات رجل أمن متمرس في مهنته منذ عشرات السنين.
عدت إلى الإسكندرية، يتملكني القلق والتخوف، فقد كنت في أمس الحاجة لتقييم موقفي، وقد دخلت في متاهة وحيرة، وحينما سألت السيد قال:
- لا تتخوف من شيء، فما أردت إلا الصلاح، وإذا أراد السيسي تركنا له مصر كلها فبلاد الله واسعة، ورزقه كثير.
- أنا لا أتخوف على نفسي، ولا أطلب شيئاً، وما أردت إلا صلاح الأمة، إن الناصرية لم تعد شخص عبد الناصر، وإنما هي طريق عريض يتسع لجميع المؤمنين بوحدة الأمة وقدرتها، إن الاستيلاء على مكاسب الطبقة العاملة وتجييرها لصالح الفساد والمحسوبية جريمة كبرى بحق غالبية الأمة، ولن نسكت، وما الخليج إلا دعائم للسياسات الأمريكية الصهيونية، والسير يجب أن يكون ضدها لا معها لأن الرفيق معها هو الشيطان.
- لن نمشي مع الشيطان فهو عدونا الأزلي.
اتصل من قال: إنه رئيس فرع الأمن العسكري في الإسكندرية يريد اللقاء معي بتوجيه الرئيس.
وافقت على الاجتماع في مطعم سي جل على شاطئ الإسكندرية، وليكن على الغداء في الثانية بعد الظهر، وقد تأخرت قليلاً متعمداً، وحين دخلت المطعم قادني مديره إلى طاولة منزوية يجلس وراءها كهل خمسيني تبدو عليه علامات الهدوء.
سلمت على الرجل واعتذرت عن التأخير لدقائق قلت بانها بسبب ازدحام السير، وقد أعاد التعارف بأنه لواء في الجيش وأنه خدم سنوات كثيرة مع الرئيس السيسي الذي كان يدير المخابرات العسكرية المصرية لفترة طويلة.
قال الرجل بأن الرئيس أمره بتأمين مقرات في الإسكندرية، وأنه يريد لهذا الحزب أن يكون الأقوى في مصر، وإنه يصر على أن أقوم بدور ما في قيادة الحزب.
- هل يعرف الرئيس السيسي أني كنت أسيراً عند الأمريكان في سورية، وقد نقلوني إلى حضرموت ثم إلى أفغانستان فأزبكستان حيث أطلق سراحي؟.
- أنا ليس لدي المعلومة.
- إذا سمحتم لا تدخلوني في الموضوع وعليكم بالمهندس عبد الحكيم، فهو موجود في ألإسكندرية.
- ما على الرسول إلا البلاغ المبين، وسأقوم بإبلاغ الرئيس بالتفاصيل، أنا اسمي اللواء إبراهيم عزمي. ومكتبي ليس بعيداً من هنا. وهذا الكرت عليه جميع أرقامي، ورقم المنزل، وأنا في خدمتك في كل وقت.
لم ينتظر طلب الغداء، ومضى، فقلت للميتر أن يشوي لي كمية أسماك تكفي سبعة أشخاص، ومعها اللوازم وأن يضعها في كيس.
انتظرت حتى قدم لي علبة موضَّبة، فحاسبته وعدت إلى المنزل. دعوت السيد وزينب إلى الغداء وحضرت ميا اللوازم الباقية، وأكلنا وجبة غداء شهية فعلا، إنه مطعم محترم ويجيد تقديم الأسماك.
حدثت السيد عن لقائي برئيس الأمن العسكري، بالتفصيل فلم يعلق وقال:
- نيتك طيبة ولكن السياسة في مصر صعبة، وتشترك في رسمها أصابع كثيرة خارجية منها الغرب والصهاينة، وما أظن أنك ستنجح، فاكتف بما فعلته وانسحب من الحياة السياسية بهدوء.
- قد فعلت ذلك، وأعتقد أن البلد بحاجة إلى ثورة جديدة كثورة يوليو.
اشترينا لمكاتب الشركة بناء كاملاَ من خمسة طوابق، وكلفنا مهندساً بالفرش، وهتف السيد إلى كامل أن يسافر إلى أمريكا ويحصل على وكالة شركة كاتر بلر في مصر ولو اقتضى الأمر دفع المال.
مرت الأيام بطيئة بعض الشيء، واتصل بعد شهرين العم أبو طارق أنه اشترى فيلتين كبيرتين في الجرجانية بثمن زهيد، وأنهما سليمتان لم تمتد إليهما يد الإرهاب، وأن فرشهما فخم وصاحباهما خارج البلاد ولديهما وكيلان جاهزان لنقل الملكية.
أخبرنا العم بأننا سنكون قريباً في دمشق، وقد جهزنا زوجتينا للسفر معنا، في حين عادت الأسرة إلى القاهرة، وقد آن لراية أن تجهز نفسها للعام الدراس المقبل.
سافرنا إلى دمشق على طائرات الخطوط الجوية السورية، وكان غريب في استقبالنا في المطار، وقد احتفل بنا العم أبو طارق والأسرة، وطلبت من الزوجتين أن تخلدا إلى الراحة لبعض الوقت حرصاَ على الحملين.
كنا وصلنا مساء، وبعد سهرة مختصرة خلدنا إلى النوم، وفي الصباح توجهنا إلى الجرجانية، وعاينا الفيلتين فقد كانتا كبيرتين، في كل منهما في الطابق العلوي ستة غرف نوم وثلاثة حمامات، وفي الطابق الأول صالونات ومطبخ وأوفيس وحمام، وفي الطابق الأرضي غرفة للحارس ومستودع كبيرة وغرفة شوفاج.
ثم عدنا إلى الدائرة العقارية فسجلنا الفيلتين واحدة باسم السيد والأخرى باسمي.
أعجبت زينب بوادي بردى أيما إعجاب، ونظرت من بعيد إلى جبل الشيخ والجولان المحتل، وقالت:
- هذه البلاد من الجنة وحرام أن تترك هذه الأراضي للعدو الصهيوني، يستثمرها على أعين العرب الكلاب.
كانت الكلمة كبيرة لم أعهدها في قاموس زينب، فسكت.
وعلمت أن انفعالها أطلق كلمات لم تتعود عليها. فسكت وكأني لم أسمع شيئاً في حين ضحك السيد بملء فمه.
قالت ميا وزينب وكأنهما اتفقتا على الكلام:
- ما زلنا في أوائل شهر أيلول ويمكننا الإقامة هنا أياماً، قليلة وإذا أردتما فاسبقانا إلى الإسكندرية.
قال السيد:
- نحن معكما لأيام، فلا شيء يستعجلنا للعودة.